متى تسأل الشركة القابضة أو الشركة الأم عن أعمال الشركة التابعة؟
يثور في الفقه والقضاء سؤال عن مدى التقيد الصارم باستقلال الشخصية القانونية للشركات الأعضاء في مجموعة شركات. بعبارة أخرى متى يمكن تجاهل هذا الاستقلال ومعاملة الشركة الأم وشركتها التابعة شخصا واحدا بحيث تسأل كل منهما عن التزامات الأخرى؟
نجد في الفقه والقضاء المقارن أن الأصل هو استقلال الشخصية القانونية للشركة الأم عن الشركة التابعة. واستثناء يمكن أن تسأل الأولى عن أعمال الثانية وديونها في ظروف خاصة، كما لو كفلت الشركة الأم الوفاء بالتزامات الشركة التابعة، أو ثبت واقعيا أن قرارات الشركة التابعة اتخذت في مجلس إدارة الشركة الأم، أو في حالة الغش والتواطؤ أو ربما الفعل الضار المتثمل بارتكاب ممثلي الشركة الأم أخطاء جسيمة في إدارة الشركة التابعة.(Ian M Ramsy & David B Noakis, Piercing the Corporate Veil in Australia’ (2001) 19 Company and Securities Law Journal, 250-271.)
إذا القاعدة العامة هي تمتع الشركة الأم بالحماية من المسؤولية عن التزامات الشركة التابعة بفضل استقلال الشخصية القانونية لكل منهما. فلا يوجد مبدأ قانوني عام يقرر مسؤولية الشركة الأم عن أعمال الشركة التابعة والتزاماتها إلا في حدود مسؤوليتها كمسام في شركة ذات مسؤولية محدودة. لذلك فإن تحميل الشركة الأم مسؤولية عن أعمال الشركة التابعة يتوقف على إثبات وقائع استثنائية.
لكن محكمة استئناف عمان ومحكمة التمييز عالجتا هذه المسألة على نحو مختلف عندما يتعلق الأمر بعلاقة الشركة القابضة بالشركة التابعة المملوكة لها. فقد اتحدت كلمة المحكمتين على أن الشركة القابضة مسؤولة عن أعمال الشركة التابعة لها، على الأقل – فيما يبدو – إذا كانت الأخيرة مملوكة بالكامل للأولى.
قرار محكمة استئناف عمان في القضية رقم 7516/2014
بتاريخ 1/7/2014 أصدرت محكمة استئناف عمان قرارا قضى بمسؤولية شركة قابضة عن التزام مالي مترتب بذمة شركة تابعة لها لمجرد أن الشركة التابعة مملوكة بالكامل للشركة الأم. في هذه القضية قامت شركة القبس للتطوير العقاري ذات المسؤولية المحدودة بالاتفاق مع المدعين على بيعهم قطعة أرض في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. قبضت شركة القبس مبلغا من ثمن الأرض ولم يتم تسجيل البيع رسميا لدى دائرة الأراضي. طالب المدعون باسترداد المبلغ وأقاموا الدعوى ضد شركة القبس وأيضا ضد شركة تعمير الأردن القابضة على أساس أن شركة القبس تابعة لها.
تمسكت شركة تعمير باستقلال شخصيتها القانونية وبالتالي ذمتها المالية.إلا أن محكمة الاستئناف شايعت محكمة الموضوع في إقرار مسؤولية الشركة القابضة عن أعمال الشركة التابعة لها على أساس أن الشركة القابضة بحكم تعريفها في المادة 204 من قانونا لشركات تملك وتدير شركات تابعة لها. كما استدلت محكمة الاستئناف بالقاعدة القائلة بأن التابع تابع ولايفرد بحكم لتبرير المسؤولية التضامنية بين الشركة القابضة والشركة التابعة المدعى عليهما.
قرار محكمة التمييز 3186/2014 بتاريخ 22/1/2015
طعنت الشركتان المدعى عليهما في قرار محكمة الاستئناف متمسكتين باستقلال الشخصية القانونية لكل منهما، وأنه تبعا لذلك الاستقلال لا خصومة بين المدعين وشركة تعمير القابضة التي لم توقع اتفاقية بيع الأرض. بالنتيجة أيدت محكمة التمييز موقف محكمة الاستئناف. وفي معرض رفضها لأسباب التمييز قالت محكمة التمييز إن الشركة القابضة تعمير تملك حميع الحصص المكونة لرأسمال شركة القبس التابعة وأن أعمال شركة القبس تدخل في التحليل الأخير في الذمة المالية للشركة القابضة. نبهت المحكمة أيضا على أن الشركة القابضة تمارس أعمالها من خلال الشركة التابعة.لذلك كله تعتبر الشركة القابضة والشركة التابعة مسؤولتين بالتضامن عن ديونهما بحيث تكون الشركة القابضة مسؤولية عن أعمال الشركة التابعة وتسأل الشركة التابعة عن أعمال الشركة القابضة.
قرار محكمة التمييز في ضوء النصوص التشريعية والاعتبارات القانونية والاقتصادية
لا شك أن تكوين مجموعة شركات سواء من خلال شركة قابضة أو شركة استثمارية أخرى يهدف إلى ضبط المخاطر وهيكلة النشاط الاقتصادي على نحو يقلل المخاطر ويحقق منافع ضريبية. لا تتأتى هذه الفوائد إلا من خلال الاعتراف باستقلال الشخصية القانونية والذمة المالية للشركة الأم أو القابضة عن الشركة التابعة.
على المستوى التشريعي، يعترف قانون الشركات باستقلال الشخصية القانونية لأعضاءمجموعة الشركات. وبخصوص الشركة القابضة تؤكد الفقرة (ج) من المادة 205 من قانون الشركات أن من غايات الشركة القابضة تقديم القروض والكفالات للشركات التابعة. تقتضي هذه الغاية استقلال الشخصية القانونية لكل منهما حيث لا يتصور أن يتعاقد الشخص مع نفسه. ومن ناحية ثانية، تؤكد الفقرة المذكورة أن الشركة القابضة ليست مسؤولة من حيث المبدأ عن ديون الشركة التابعة ما لم تكفل الشركة القابضة شركتها التابعة.
غير أن محكمة التمييز بدت وكأنها تقرر قاعدة عامة هي أن الشركة القابضة مسؤولة دائما عن ديون الشركة التابعة التي لا تعدو كونها أداة لها لمزاولة نشاطها. بل أشارت المحكمة أيضا إلى أن المسؤولية التضامنية باتجاهين: تسأل الشركة القابضة عن أعمال الشركة التابعة والعكس صحيح.
مع أن ظهور الشركة التابعة كأداة بيد الشركة الأم هو من مبررات نزع المسؤولية المحدودة عن الشركة الأم كمساهم في الشركة التابعة وتحميلها مسؤولية شخصية كاملة عن أعمالها إلا أن الأخذ بهذا المبرر يستلزم ثبوت وقائع تبين أن إدارة الشركة التابعة وقراراتها كانت في الواقع تتخذ من قبل إدارة الشركة الأم (الشركة القابضة في قضية تعمير الأردنية).
أما الاكتفاء بمجرد ملكية الشركة القابضة لحصص رأسمال الشركة التابعة دون ربط ذلك بوقائع تظهر الخضوع الفعلي لإدارة الشركة التابعة للشركة القابضة من حيث اتخاذ القرار فإنه يثير أسئلة مهمة. أولا، هل تسأل الشركة القابضة عندما تكون مساهمة في شركة تابعة ولا تملك كامل حصصها؟ هل ملكية كامل حصص شركة ما سبب لتجنب المسؤولية المحدودة للمساهم في شركة الشخص الواحد؟ وهل يطبق الحل الذي تبنته المحكمة في قضية تعمير عندما يتعلق الأمر بمجموعة شركات تابعة وشركة أم غير قابضة؟
بتقديري ينبغي عدم التوسع في تفسير قرار محكمة التمييز رقم 3186/2014. التفسيرالأفضل له هو أن سبب قبول المسؤولية التضامنية للشركة القابضة مع الشركة التابعة استند إلى كون الشركة التابعة في تلك القضية مملوكة بالكامل للشركة القابضة وربما كانت الإدارة مشتركة بين الشركتين. في غير هذه الظروف، كما لو كانت الشركة القابضة أو الشركة الأم عموما مساهمة في الملكية أو الإدارة مع مساهمين آخرين، فإنه لا بد من أدلة تثبت إيجابا أن قرارات الشركة التابعة كان يتم إملاؤها من قبل إدارة الشركة الأم أو ثبوت غش ضد الغير كما لو جرى تهريب موجودات بين أعضاء مجموعة الشركات. والاعتبارات نفسها ينبغي مراعاتها عند البحث في تجنب المسؤولية المحدودة لمساهم في شركة كشركة الشخص الواحد.